مليار يورو- هل يدعم الاتحاد الأوروبي العنف والفساد في لبنان؟

المؤلف: د. إيليا أيوب10.25.2025
مليار يورو- هل يدعم الاتحاد الأوروبي العنف والفساد في لبنان؟

في الشهر الفائت، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديمه حزمة معونات سخية للبنان، تصل قيمتها إلى نحو مليار يورو (أي ما يُعادل 1.07 مليار دولار أمريكي). وخلال زيارتها للعاصمة بيروت، صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأن هذه الأموال الطائلة ستوجه لدعم وتعزيز الخدمات الأساسية الضرورية، وإجراء إصلاحات مالية جوهرية، ومساندة قوات الأمن اللبنانية، فضلاً عن إدارة ملف الهجرة المعقد. وأكدت أن هذه المبادرة تأتي في سياق جهود الاتحاد الأوروبي الدؤوبة لتعزيز دعائم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ربوع هذا البلد.

على الرغم من أن المساعدات التي تُقدم للمحتاجين تبعث في النفوس شيئًا من الاطمئنان والارتياح، إلا أن هذه المعونة تحديدًا تثير لدينا قلقًا بالغًا، وهو شعور يتشارك فيه كل من يراقب عن كثب التجاوزات التي ترتكبها وكالة حرس الحدود الأوروبية (فرونتكس). لذا، ليس من المستغرب أن تُوصَف هذه الصفقة من قِبل منظمة "سي ووتش"، وهي منظمة معنية بالبحث والإنقاذ في مياه البحر الأبيض المتوسط، بأنها "صفقة جديدة قوامها المال مقابل العنف على الحدود". بمعنى آخر، أوروبا تقدم الأموال في صورة مساعدات، مقابل تولي دول أخرى مهمة ممارسة العنف وإراقة الدماء على حدودها.

لا شك أن هذا الدعم المالي المشروط سيكون له ثمن فادح؛ إذ سيشجع على تضييق الخناق على المنكوبين الباحثين عن ملاذ آمن عبر التنقل من بلد إلى آخر، كما سيفاقم من معاناة اللاجئين، ولا سيما اللاجئين السوريين الذين يواجهون بالفعل صنوفًا من سوء المعاملة في لبنان. والأدهى من ذلك، أنه سيقوض الجهود الحثيثة التي يبذلها الشعب اللبناني للتخلص من قبضة نخبة سياسية متجذرة في الفساد.

تعريض اللاجئين السوريين في لبنان للخطر

الإعلان عن هذه الحزمة من المساعدات الأوروبية للبنان يأتي في أعقاب سلسلة من الصفقات المماثلة التي تهدف إلى "معالجة قضية الهجرة" مع دول أخرى في المنطقة. ففي العام المنصرم، تلقت كل من مصر وتونس وموريتانيا مبالغ مالية ضخمة من الاتحاد الأوروبي، لقاء اتخاذها إجراءات صارمة ضد الأفراد الذين يحاولون العبور إلى أوروبا.

وشهدت ليبيا، التي تتلقى دعمًا ماليًا من بروكسل منذ سنوات طويلة، بعضًا من أفظع الانتهاكات. ففي شهر مارس/آذار من عام 2023، أعلنت بعثة لتقصي الحقائق تابعة للأمم المتحدة أن هناك "مؤشرات معقولة تدعو للاعتقاد بأن المهاجرين" في ليبيا، بمن فيهم أولئك الذين أُجبروا على العودة بموجب الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وليبيا، هم "ضحايا لجرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والإخفاء القسري، والتعذيب والاستعباد والعنف الجنسي والاغتصاب، وغيرها من الفظائع".

ويتزايد القلق في أوساط المنظمات الحقوقية والناشطين، خشية أن يسلك لبنان المسلك نفسه في انتهاك حقوق اللاجئين وكرامتهم الإنسانية.

تجدر الإشارة إلى أن الوضع في لبنان كان يتفاقم أصلًا حتى قبل إبرام هذه الصفقة، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد قوارب اللاجئين التي تنطلق من شواطئها. وقد تحققت الأمم المتحدة من مغادرة ما لا يقل عن 59 قاربًا خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، مقارنة بثلاثة قوارب فقط في الفترة نفسها من العام الماضي. وقدر مركز سيدار للدراسات القانونية عدد القوارب بنحو 100 قارب في عام 2023.

الغالبية العظمى من ركاب هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر هم من اللاجئين السوريين، ولكنْ هناك أيضًا مواطنون لبنانيون يحاولون جاهدين الفرار من براثن الاقتصاد المنهار والخدمات الاجتماعية المتدهورة. وفي السابق، كانت السلطات تتغاضى عن هذه الرحلات، إلا أنها في السنوات الأخيرة أبدت تعاونًا متزايدًا مع عمليات إعادة هؤلاء اللاجئين، تحت ضغط متواصل من الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لمنظمات حقوقية محلية، أبرم لبنان وقبرص اتفاقًا غير معلن لتنسيق الجهود الرامية إلى إعادة اللاجئين والمهاجرين إلى لبنان بعد وصولهم إلى قبرص، كما شاركت السلطات اللبنانية في دوريات حدودية عنيفة.

وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2022، قامت البحرية اللبنانية بإغراق قارب كان يقل عشرات اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين. ووفقًا لشهادات شهود موثقة، اصطدمت سفينة تابعة للبحرية بالقارب، ثم ابتعدت وتركت القارب يغرق بمن فيه. وقد عُثر على سبع جثث، من بينها جثة طفل لم يتجاوز عمره الأربعين يومًا، فيما لا يزال 33 شخصًا في عداد المفقودين، بينما نجا خمسة وأربعون شخصًا.

يتعرّض اللاجئون السوريون في لبنان لحملة قمع ممنهجة، ويواجهون أعمال عنف يومية من قِبل جهات حكومية وشبه حكومية، كما تنتهج الأحزاب السياسية الكبرى أسلوبًا تفتقر للإنسانية في خطاباتها ضدهم.

علاوة على ذلك، قامت السلطات بترحيل لاجئين سوريين قسرًا إلى بلادهم، بمن فيهم نشطاء في المعارضة ومنشقون عن الجيش، ليواجهوا خطر التعذيب والموت المحقق على أيدي النظام السوري. إن متخذي هذا القرار على دراية تامة بأن منظمات حقوق الإنسان قد أكدت مرارًا وتكرارًا في تقاريرها أن سوريا ليست بلدًا آمنًا لعودة اللاجئين إليها. وهم يعلمون علم اليقين أن النظام السوري قد قتل العديد من المعتقلين، لدرجة ترقى إلى مستوى "إبادة السكان المدنيين"، حسب تعبير الأمم المتحدة.

وصفت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا مؤخرًا هذا البلد بأنه "جحيم على الأرض"، حيث "يؤدي اقتصاد الحرب المتدهور والأزمة الإنسانية المدمرة إلى مستويات جديدة من المعاناة يواجهها سكانها المدنيون". هذه هي الأوصاف المروعة للهاوية التي يود الاتحاد الأوروبي أن يعود إليها اللاجئون "طواعية"، ويخصِص جزءًا من حزمة المليار يورو "لاستكشاف نهج أكثر تنظيمًا للعودة الطوعية إلى سوريا"، حسبما جاء في بيان فون دير لاين.

وهكذا، يكون الاتحاد الأوروبي قد منح الضوء الأخضر للدولة اللبنانية كي تستخدم العنف المفرط ضد الفئات السكانية الأكثر ضعفًا وهشاشة: اللاجئين السوريين.

دعم النخبة الفاسدة

من جانب آخر، ستسهم هذه الحزمة السخية من الاتحاد الأوروبي في تعزيز قبضة النخبة الفاسدة في لبنان ضد إرادة الشعب اللبناني.

يأتي ذلك في خضم أزمة اقتصادية طاحنة مستمرة منذ سنوات عديدة، ناجمة عن عقود من الفساد المستشري وانعدام الكفاءة وسوء الإدارة على أعلى المستويات الحكومية. لقد تسببت تلك النخبة السياسية والاقتصادية في إركاع البلاد من خلال إدارة ما وصفه الاقتصاديون بأنه "مخطط بونزي المنظم وطنيًا"، حيث يتم اقتراض أموال جديدة لسداد الدائنين الحاليين.

في عام 2019، خرج الشعب اللبناني إلى الشوارع في أكبر انتفاضة عابرة للطوائف شهدتها البلاد؛ للتعبير عن رفضه القاطع للنخب اللبنانية الفاسدة. واحتل مئات الآلاف من المتظاهرين ساحات المدن في جميع أنحاء البلاد. وعلى غرار أحداث الربيع العربي في عام 2011، هتفوا بصوت واحد: "الشعب يريد إسقاط النظام". وردت حكومة الملياردير سعد الحريري بالاستقالة.

لكن هذه الانتفاضة الشعبية لم تسفر عن تغيير سياسي فوري، وازدادت الأزمة الاقتصادية حدةً وتفاقمًا عندما تفشّت جائحة كوفيد - 19 بعد بضعة أشهر من ذلك.

وفي شهر أغسطس/آب من عام 2020، انفجر حوالي 2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم في ميناء بيروت، مما أدى إلى مصرع 218 شخصًا وإصابة 7000 آخرين، وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة. وعلى إثر هذه الكارثة، استقالت حكومة حسان دياب التي خلفت حكومة الحريري بعد فترة وجيزة من تسلمها السلطة. وظل دياب رئيسًا مؤقتًا للوزراء حتى تولى الملياردير ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي منصبه في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2021.

وصفت الصحفية اللبنانية لارا بيطار الحياة في لبنان ما بعد الانفجار بأنها "محاولة قتل يومية من قبل الدولة". وقد عمدت الأوليغارشية الحاكمة وأمراء الحرب (الأوليغارشية: مصطلح يشير إلى تركز السلطة والنفوذ في يد مجموعة صغيرة من الأفراد أو العائلات) إلى استخدام العنف الممنهج كوسيلة للحفاظ على سلطتهم ومصالحهم.

يمتد هذا المسلك المتجذر إلى حقبة التسعينيات (فترة ما بعد الحرب الأهلية)، عندما شهد الشعب اللبناني صعود ما أسمته الباحثة روث ويلسون غيلمور "الدولة المناهضة للدولة"، أي التخلي المنظم عن الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة من قِبل نفس الأشخاص الذين يتولون إدارة شؤون تلك الدولة.

وفي عام 2021، واعترافًا بدور النخب السياسية والاقتصادية في الأزمة اللبنانية المتفاقمة، أنشأ الاتحاد الأوروبي نظام عقوبات ضد سياسيين لبنانيين متهمين بالضلوع في قضايا فساد؛ وتم تجديد تلك العقوبات مرة أخرى في عام 2023.

أطلق الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي، ما أسموه "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار"، الذي يهدف إلى تحقيق "التعافي الذي يركز على احتياجات الناس، ويعيد سبل العيش المستدامة إلى السكان المتضررين".

لكن ألا يحق لنا أن نتساءل: كيف يمكن لهذه الحزمة من المساعدات أن تحقق ذلك "التعافي الذي يركز على الناس"، إذا علمنا علم اليقين أن من سيتسلمها ويديرها هم نفس حكومة القلة وأمراء الحرب الذين تسببوا في الأزمات المتتالية في المقام الأول؟

ستعمل هذه الصفقة المشبوهة على ترسيخ سيطرة النخبة الحاكمة على مقاليد الدولة، وترسل رسالة سياسية بالغة الوضوح: مفادها أن الاتحاد الأوروبي لا يكترث للمساءلة عن الجرائم المرتكبة في لبنان، طالما أن نخبته الحاكمة، بغض النظر عن مدى فسادها أو عنفها، تشارك بفاعلية في نظام الحدود الأوروبي.

لم يعد من قبيل المبالغة وصف السكان المدنيين في لبنان – سواء كانوا مواطنين أو مقيمين – بأنهم رهائن في قبضة نخبة عنيفة لا تخضع للمساءلة، من قِبل الأوليغارشية وأمراء الحرب، والذين قام الاتحاد الأوروبي – للتو- بمنحهم مليار يورو لتعزيز قبضتهم المحكمة على الدولة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة